العدد 301-29 ابريل 1999

إشارة
رحل الأمير و بقيت الانتفاضة

(217) عاما هو حكم الأسرة الخليفية للبحرين بالوراثة، منذ استيلاء قبائل العتوب عليها عام 1782م.
منهم من اعتلى الحكم و هو ابن الحادية و العشرين ، تقلد الحكم سنة 1869م حتى خلعه البريطانيون و أعطوا الحكم إلى ابنه حمد بن عيسى عام 1923م، و منهم من حكم أقل من ذلك و هو حال الأمير الراحل عيسى بن سلمان الذي حكم البلاد (83) عاما و هو ا لحاكم الحادي عشر من الأسرة الخليفية.
عدة انتفاضات شعبية قامت في فترة حكم عيسى بن سلمان ، و سبقتها انتفاضات اخرى في عهد من سبقه، ففي بداية حكمه اشتعلت انتفاضة العمال سنة 1965 م بسبب تسريح المئات منهم، ولان حاكمنا (المفدى) لم يعرف الفاقة و العوز كما هي عند العمال، لأنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، جوبهت الانتفاضة بالعنف، وقفزا على الزمن و التاريخ، على فورة السبعينات و الثمانينات، نصل إلى الانتفاضة الشعبية الواسعة سنة 1994م المطالبة بالديموقراطية في السياسة، والعدالة في الاجتماع و الاقتصاد، ولان الأمير الراحل و كما هو معهود عنه و عن آباءه و أجداده لا يعرف لغة الإصغاء إلى الآخر، ولم يتعلم الحوار، حاصر الانتفاضة و أمطرها بكل وسائل العنف و الإرهاب و القمع.
ولكن هل انتهت الانتفاضة ؟ هذا هو السؤال المهم .
إن كل ما استطاعه الأمير إن يحاصر الانتفاضة، و لكن ما لم يستطع فعله إن يخمد جذوة الانتفاضة في شعب البحرين ، ولن يستطيع من يأتي بعده.
إن الانتفاضة تحولت إلي انتفاضات ، فهي تزداد عددا و نفوسا كل يوم وتتسع لها الشوارع و الأزقة و الحارات.
أصبحت الانتفاضة في البحرين اليوم، كبقع الزيت العائمة فوق سطح البحر، ومهما استطاعت السلطة أن تحاصر بعضها فان هناك بقع اخرى جاهزة تنتظر عود كبريت لكي تشتعل ، و أما إزالة كل البقع فهذا أمر صعب للغاية.
ولكي تتجذر الانتفاضة و تتكسر دفاعات الحاكم الأمنية لابد من الابتعاد عن حالة الاسترخاء الشعبي و الحركي في فترة انتقالية الحكم.
لان البعض قد يظن إن الحاكم الجديد يتماشى مع بدايات الألفية الثالثة للميلاد و يتأقلم مع عصر الديمقراطية، وهو منفتح و متطور، إذن لابد من حالة من الاسترخاء.
و لكن مقابل هذا الكلام هناك رأى آخر، و كما يقول المحللون السياسيون إن الحاكم الجديد متشدد، و هو المسؤول عن قمع انتفاضة القرى و الأرياف.
إذن لابد من انتفاضة بروح جديدة، بعيدة كل البعد عن حالة الاسترخاء الشعبي، تتصل و تتواصل مع الأخريات وهذا ما نتمناه.
نعم رحل الأمير.. وبقيت الانتفاضة حتى إلغاء حكم الوراثة الخليفية وبسط التعددية و الديمقراطية مكانها في البلاد.

بصـــائــر
الحسين ومنطق اللين والقوة في الصراع

يعتمد العقلاء في صراعهم مع الباطل منطق اللين و الرفق في البدء، فهو دعوة إلى الحوار مثلا ، ولكن ماذا لو لم يستجب الباطل إلى هذه الدعوة بهذا المنطق ؟
هل نستمر على هذا المنطق و يكون خيارنا الوحيد، أم إن لهذا المنطق حدود يتوقف عندها و يستبدل بمنطق آخر كالقوة مثالا.
هل هناك حدود للصبر على خط الباطل عندما لا يستجيب لخيارات الأمة، و حتى لو استخدم هذا الباطل منطق العنف لردع الأمة عن أحلامها.
يعتقد البعض إن اسلوب اللين و الرفق هو سيد الموقف، و لابد أن يسود إلى آخر رمق.
ولكننا حينما نحرك تاريخ كربلاء و نستنطقه باتجاه أوضاعنا السياسية و الاجتماعية نجد إجابة اخرى على ذلك، فمسيرة الحسين (ع) اعتمدت اللين مع عدوه في البدء، حاور ابن زياد، وحاور أهل الكوفة، وكل الذين جاؤو ليقاتلوه ولكنهم لم يستجيبوا لهذا الحوار، أرادوا أن يفرضوا عليه الخضوع لحكم يزيد، بل وجد فيهم القسوة و العنف، ووصل الأمر أن خيروه بين اثنتين، بين السلة و الذلة، حينها قال قولته المشهورة:
(( هيهات منا الذلة، أبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون))
(( لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل،ولا أقر لكم إقرار العبيد))
وكأن الإمام (ع) قد عرف إن حدود الصبر، ونهايات مظهر اللين، أن لا يصل بالإنسان المساء أن يذل نفسه وتهان كرامته، وكيف إذا كان الأمر قد وصل إلى ذل وإهانة كرامة الأمة بأكملها في دينها و هويتها.
وكأن الإمام (ع) قد نبأنا بقوله، أن الحد الفاصل بين اللين والقوة هو كرامة الإنسان وعزته.
وفي الحديث الشريف ((إن الله تبارك وتعالى فوض إلى المؤمن شئ إلى إذلال نفسه ))
لذلك جاءت مبادرة الحسين بالدعوة إلى استخدام القوة ، ومجالدة العدو ، فكانت كربلاء الدماء .
وفي صراع الحركة الإسلامية في البحرين مع آل خليفة هل في منطق اللين حدوده في اسلوب الحوار، والمبادرة،والوساطة، والهدنة نهايات يتوقف عندها، أم يمتد هذا الاسلوب ليصل إلى التأسف على موت الأمير، ومباركة للحكم الوراثي اللاشرعي الجديد، وإعطاء فرصة أخرى للأمير الجيد غير الذي حكمته أسرته الخليفية (217)عام.
هل نبقى مع هذا المنطق حتى لو لم تكن له ثمار ونتائج تذكر أم ندمجه مع منطق آخر هو منطق القوة .
هل تبقى التقية والمهادنة والديبلوماسية والمجاملة هي الأسلوب الأذكى والأوحد. أم آن الأوان لاستخدام القوة في الخطاب السياسي، والقوة والممارسة السياسية، لتكون القوة مقابل القوة، القوة بالقلب واللسان واليد. فخطابنا لا يعطي الشرعية للحكم الوراثة، وفعلنا هو الاحتجاج والانتفاضة.
إن الأسرة الخليفية كل شئ لها، ولنا الهامش والجرف الهار تريد افتراسنا في اقتصادنا وأمننا وحقوقنا بعد أن مارست بحقنا كل أساليب الوحشية من السجن والنفي والحصار والقتل. (( ألا وأن هؤلاء القوم قد تركوا طاعة الرحمن ولزموا طاعة الشيطان، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، استأثروا بالغي، وأحلوا حرام الله،وحرموا حلاله …)) حتى أصبح الشعب ذليل لا كرامة له.
بقي علينا كحركة إسلامية تقف في خط المعارضة للحكم القائم أن نتوجه إلى كربلاء ونحن في أيام عاشوراء. ونبحث فيها عن إجابة لهذا التساؤل – حدود منطق اللين – ونستنطق تاريخ الحسين(ع) في قوله وفعله وتقريره لكي نستوحي من تاريخه ما نحتاجه كإجابة على كل مآسينا السياسية والاجتماعية التي نعيشها .

 

الحسين سفينة النجاة

 

آراء متفرقة، جماعات متناحرة،حرمات منتهكة، حقوق مضيعة، وفسقة من الناس يتحكمون على رقاب المؤمنين… تلك هي بعض ملامح الصورة الاجتماعية التي سادت في بلاد المسلمين يوم أن قرر الإمام الحسين (ع) النهوض لاعادة المعالم لدين جده، و إعادة الحياة لجسد الأمة بعد أن سرى فيه الموت حتى النخاع وبقدر ما احسن (ع) تشخيص داء الأمة، أحسن أيضا وصف الدواء لها بل تجرع الموت ليهت لها الحياة، فاهتزت وربت وتعاقبت مت بعده الثورات لتزيل الكثير من تشوهات تلك الصورة.
تعال اليوم وقس واقع امتنا بتلك الصورة الشوهاء لتجد التطابق بينهما يكاد يكون كاملا، تمزق الأمة و اختلاف و استسلام وتبرير و تخاذل عن نهج الحق كلك ذلك يدعونا إلى التساؤل عن المخرج، و التفكير الجاد في الحلول لمشكلات امتنا المعاصر.
هناك معترحات كثيرة للحل..، و أسباب مختلفة للنهوض و التخلص من هذا الواقع السلبي، و أكثرها يتسم بالواقية و الجدية، وهناك جهود مقدرة تبذل هنا وهناك، و بعضها يؤتي أكله، على إن الوسيلة المثلى هي أن نحي الحسين فينا من جديد، ونبعث قيمه في النفوس ونجدد العهد معه، فتلك بعض أهداف استشهد الحسين من اجلها، و قد تحقق أكثرها بعد واقعة كربلاء، عندما انتبه المسلمون من غفلتهم و طهروا أوزارهم بالدماء.
وامتنا التي تعيش في هذه الأيام ذكرى عاشوراء، و تستذكر دروسها و قيمها، لحرية بأن تجعل من الذكرى منعطفا ثوريا، تنتصر فيه للحسين ومن ثم لنفسها و لكرامتها المهدورة، و لايكون ذلك إلا بالالتفاف حول نهج الحسين(ع) و السير في خطى ثورته العظيمة و الاستلهام من دروسها للنهوض والتحرر، ولا يكون ذلك إلا بتجاوز عوامل الفرقة و التمزق وتوحيد الكلمة و الراية.