بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين.

     تحدثت مع صديق لي حول ماجرى في هذه الأيام من أحداث سياسية في وطننا السليب، وكان وقت الحديث آنذاك يصادف الليلة الثانية من ظهور الشيخ الجمري على شاشة التلفزيون ،وهو يقرأ رسالة اعتذار للأمير ،فقال لي صديقي: وهو في حالة من التعجب والاستغراب ،كيف وصل بنا الحال إلى ذلك؟ فمذ رأيت يا أخي هذا المشهد لم أذق ليلتها طعم الرقاد، وكأن الذي رأيته في تلك الليلة هو ضرب من الخيال فتمنيت في تلك اللحظة أن تخطفني السماء أو تهوي بي الريح أو تبلعني الأرض لذلك المشهد المهين ، فأخذت اسأل نفسي وأخاطبها، كيف من يملك تراث العز والإباء؟ وكيف من يتخذ رسول الله نهجا وعليا طريقا والحسين مسلكا ،وكيف من يملك هذا التراث العظيم الحافل بالعزة والكرامة، أن يقف هذا الموقف ؟ الذي أذلنا ، وأشمت الطغاة بنا ،كيف يكون ذلك ونحن قد تشربنا بالقيم الحسينيه وتغذينا بمثلها ،ولازالت والى يوم الدين كلمات أبي الأحرار تقض مضاجع المستكبرين الظالمين (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد )ويقول عليه السلام (ألموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار) .

 ثم سألني مرة أخرى لماذا هذا التخبط الذي يمارسه بعض من يطلقون على أنفسهم بالمعارضة ؟ففي الوقت الذي قدم فيه الشعب مالا يقل عن أربعين شهيدا وآلاف المعتقلين الذين يرزحون تحت التعذيب الخليفي فبمجرد أن مات معاوية زمانه،وخلفه ابنه يزيد وإذا برسائل التعزية وبطاقات التهنئة يبعثها بعض المقيمين في لندن ، فماذا يقولون لامهات الشهداء ،وبأي وجه يقفون أمام أولئك المحروقة قلوبهم من الآباء والأمهات الذين يفكرون طول ليلهم ونهارم في أبنائهم المسجونين ؟.

 هذا ويتابع صديقي استغرابه قائلا :

   أنه مما لاشك فيه أن السلطة دأبت على قلب الحقائق، وتغيير الموازين وتسفيه عقول الجماهير ،وهذا ديدن السلطات الجائرة. إلا أن المؤسف المحزن أن بعض رموز المعارضة يمارسون الأسلوب ذاته ،بأدوات تختلف عن أدوات السلطة. فعمدت بياناتهم الصادرة من لندن إلى تغيير الحقائق وقلب الموازين. حيث انهم جعلوا من ذلك الخطأ صواب ،ومن الظلمة نور، ومن الهزيمة انتصار .فاخذوا يمارسون التبسيط والتسفيه لعقول الجماهير ويعلنون بملء فيهم وفي صفحات يباناتهم بأن الذي حدث إنما هو انتصار للشيخ وما آل خليفه إلا أخشاب مسندة تستمع لسيدها ومولاها ، كما ورد في بعض بياناتهم  أو هل هناك حقيقة أجلى واوضح من هذه الحقيقة؟ فهل  الذي يقرأ رسالة اعتذار وذل وهوان في محضر من طغاة البلاد يكون سيدا وبطلا ؟. وهنا يصرخ معترضا :

 يا من تطلقون على أنفسكم معارضي النظام ،كفى تجهيلا وتسخيفا لعقول الجماهير  وارحموا هذا الشعب وكونوا صادقين مع الله ومع أنفسكم لكي تكونوا صادقين مع الناس. واعلموا تماما أن العمل السياسي المجرد يحرفكم كما حرف غيركم من الحركات التي ابتدأت إسلامية في الشعار وانتهت علمانية في المضمون والمحتوى، والذي ينقذ الجماهير من وطأة النظام الخليفي المستبد هو التمسك بالقيم الإلهية،  والمثل الربانية فلا تجرفكم السياسة ولاتسلخكم من قيمكم الدينية ،  وادركوا تماما أن الذي جاء بقوة السلاح ،وجثم على قلب الأمة ظلما وعدوانا ، وأن الذي تلوثت يده مدى التاريخ بدماء الأبرياء،  وسحق الجماهير ، لا يمكن أن تحرك عواطفه لافتات البيض وأعلام السلام ، أو مغازلة من هنا وهناك ،أو مراهنة على أحد من أفراد العائلة فآل خليفة نجس العين وليس في نجس العين شعرة طاهرة  ، فلا يدغدغ عواطفكم وجه الحكم الجديد . فعيسى الراحل وحمد الحاضر وجهان لعملة واحدة .  

 وبعد أن عبر صديقي عما يحمل في قلبه من معاناة صادقة ، واحساس بالمسؤولية . قلت له:  أن هناك بعض العوامل الاساسيه لوكنا ندركها لما وقعنا فيما وقعنا فيه  . وأذكر لك يا أخي بعضا منها :

 أ ولا: يجب أن نعرف ونعي طبيعة الخصم أو العدو الذي نعارضه ، فآل خليفة قد جمعوا كل الرذائل والموبقات في سيرتهم الذاتية .

أ/الظلم وهذه الخصلة لا تحتاج إلى برهان ودليل فأعمالهم وأساليبهم الجائرة خير شاهد عليهم .

ب/الحمق . فآل خليفة حمقاء في تصرفاتهم مع الشعب ومطالبه ، فلا يعرفون غير الحديد والنار لحل أي مشكلة لدى الجماهير فوسيلتهم الوحيدة لحل مشاكل البلد ، هو السجن والتعذيب والقتل .

ج/البخل . وهذا يشهده المواطن البحراني في حياته اليومية حيث أنهم  يشاركون الفقير والمعوز في لقمة عيشه، وحالة الإقطاع والسيطرة على الأراضي  ، ومضايقة المواطنين في   أرزاقهم ، ووصل الحال إلى أن يلاحقوا الناس خارج الوطن فيحثون الحكومات المجاورة بأن ترفض تشغيل أو توظيف أي مواطن بحراني . فكما يقول المثل (لا يرحم ولا يخلي رحمة الله تنزل ) .

د/الفسق والفجور والمجون الذي تمارسه العائلة الحاكمة .حيث انهم جعلوا من أرض البحرين ملاذا للفساد والانحراف .

ه/العنصرية والحالة الطائفية المتجسدة في نفوس هذه العائلة . ففي الوقت الذي يمثل الشيعة الأغلبية لسكان البحرين ، إلا أنهم هم الأكثر حرمانا في هذا البلد وليس لهم أي وسيلة إعلامية تنطق باسمهم حتى أن مادة الدين في المدرسة تفرضها السلطة عليهم ويمنعون الكتب العقائدية عنهم ولا يسمح لأي شيعي أن يتبوأ مركزا حساسا في الدولة ولو استطاعوا أن يمنعوهم من شعائرهم لفعلوا ولكن ليس هذا بيدهم ، وهناك الكثير من الرذائل لا يسع المقام إلي ذكرها.

 ثانيا : نحن في أمس الحاجة إلى الوحدة والتماسك .فلا تشغلنا الأمور التافهة عن هدفنا الأساسي وهو مقارعة السلطة الجائرة فتعدد الآراء واختلاف التوجهات سياسية كانت أو مرجعية هي نعمة ورحمة فلا نجعل منها وباء ونقمة ، فلا يحق لأحدنا مهما كان أن يجعل من نفسه وصيا على الآخرين ولا يستطيع أحدنا أنه يملك صك الغفران لأنه يقلد مرجعا معينا أو يتبع سياسة معينه فلندع الخلافات والحساسيات ولنعمل لله بإخلاص .

ثالثا: ينبغي علينا أن نختار بوعي وإدراك وارادة القيادة الصالحة المتوفرة فيها شروط القيادة الصحيحة من إخلاص وعلم ووعي سياسي واجتماعي وصمود وشجاعة وإقدام فالقائد الحقيقي هو الذي يصنع الأحداث وليس من تفرضه الأحداث . فالإعلام والضجيج لا تجعل من إنسان قائدا إذا لم يكن في نفسه قائد .

رابعا: يجب أن نتقدم بمطالب تحقق لنا كشعب العدل والمساواة بين الحاكم والمحكوم ، والاقتصار على المطالبة با عادة البرلمان أو العمل بالدستور لا يحقق لنا ما نصبوا إليه،فالبرلمان الذي يعينه الحاكم ومتى شاء حله بجرة قلم  فضلا عن كونه صوريا أو دستور يثبت العائلة الحاكمة بتداول الحكم والسلطة  بالوراثة ، وقوانينه تلزم المواطن ولا تلزم الحاكم بشيء فلا يعد هذا مطلبا يحقق للجماهير العزة والكرامة  وإذا أردنا أن نحقق تلك الأماني، يجب علينا أ ن ننظر  لتلك الشعوب المتحضرة ولا نجعل من الدول المحيطة بنا مقياسا لتحقيق أحلامنا وأهدافنا .

   يا أخي وصديقي هذه العوامل وغيرها إذا عملنا على تطبيقها كشعب لاشك أننا نستطيع أن نحقق المعاجز في بلدنا،

ولنا في الثورة الإسلامية في إيران خير مثل وشاهد في تاريخنا المعاصر فبوحدته وايمانه والتفافه حول قيادته وكذلك بصمود هذه القيادة وشجاعتها استطاع أن يقهر جميع القوى المعادية.

إذن القوة الحقيقية هي قوة الجماهير .

إذا الشعب يوما أراد الحياة      فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بد لليل أ ن ينجلي          ولابد للقيد أن ينكسر

ونسأل الله لنا ولكم التوفيق

                 جاسم  صالح