بسم الله الرحمن الرحيم

بيان صادر عن الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين تعليقاً على الإفراج عن سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري

قال تعالى: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين".

السلام عليكم أيها الشهداء الأبرار، يا من روت دماؤكم الزكية شجرة الحرية التي تنمو وتعلو باسقة في سماء بلادنا يوما بعد يوم، وأسماؤكم سوف تكتب بمداد من نور في سجل الخالدين من تاريخنا المشرف لتكون شاهدة على عظمة هذا الشعب ونبله، ولتكون شهادة علي همجية وبربرية سلطة غاشمة.
والسلام عليكم أيها الأباة الأحرار، الذين هزمتم الطغاة والجلادين، وانتم خلف القضبان في سجون الاستبداد الخليفي، يا من سطرتم آيات البطولة والصمود وواجهتم الوحشية والبربرية بروح الكبرياء والإباء.
السلام عليك أيها الشعب المجاهد المقدام، فبطولاتك وتضحياتك المعطاءة أثارت الرعب والهلع في قلوب الجبناء المتمترسين خلف حراب المرتزقة الأوباش، في نفس الوقت الذي كانت مثار إعجاب واحترام العالم اجمع.
والسلام عليك أيها الرمز الرسالي الصامد القابظ على الجمر في سجون الاستبداد والقهر الخليفية لما يقرب من عقدين من الزمن حافظاً بين الخافقين أمانة المجاهدين الطامحين لغد مشرق لأبناء بلادنا.. غدً ترتسم فيه البسمة على شفاه أطفال الوطن.
أيها الشعب المجاهد المقدام..
يجتاز وطننا مرحلة دقيقة وخطيرة من تاريخه السياسي، فبعد انكفاء زخم الانتفاضة الشعبية، جراء عمليات القمع العنيفة المتواصلة ومؤامرات السلطة الغاشمة التي انجر إليها البعض وكانت الأخطر في إجهاض الحركة الشعبية.
في هذه الأيام بالذات تسعى سلطة الاستبداد والقهر للإجهاز على روح المقاومة والجهاد التي عمّدتها دماء الشهداء الأبرار، وصمود أجيال من المجاهدين الصامدين في سجون القهر الخليفي المستبد وتضحيات أجيال اخرى من القابضين على الجمر، السائرين على درب الحرية والعزة والكرامة.
إن شعبنا لا يمكنه أن ينسى التضحيات الجليلة التي قدمها قرابين الحرية، ولا يمكنه أن ينسى مسيرة العطاء الدامية في سبيل حريته وكرامته، فلا زالت دماء شهداء الحرية جميل العلي، وكريم الحبشي، والشيخ جمال العصفور، ومحمد مدن، ورضي زين الدين، ومحمد علي عبدالرزاق، ومحمد جعفر عطية، وهاني خيمس، وهاني الوسطي، وحسين العشيري، وحميد قاسم، وعبدالقادر الفتلاوي، وحسين الصافي، وعيسى قمبر، وزهراء إبراهيم، ونوح آل نوح.. وباقي الشهداء الأبرار، رطبة تصبغ ارض البحرين بلونها الأحمر القاني.
يا أهلنا الكرام..
إن مؤامرات السلطة الحاقدة لم تنتهي فصولها ولن تتوقف، فالصراع لا زال مستعراً، واليد الآثمة الملطخة بدماء شعبنا الأبي لا زالت تقترف الجرائم بحقه يومياً، معلنة عن عدائها السافر لهذا الشعب الذي يسعى لأن يوجد له مكاناً لائقاً تحت الشمس، وحياة حرة كريمة خالية من الخوف والكراهية والتمييز.
لقد صرح مسؤول خليفي ـ أثناء المشهد المهين ـ بأنه قد طويت صفحة من تاريخ البحرين السياسي، وتهدف القبيلة الحاقدة من خلال البث التلفزيوني لمشهد الإهانة والإذلال يوم الخميس الماضي، وبحضور أركان العائلة الحاكمة إلى تحطيم الروح المعنوية لشعب البحرين والقضاء على إرادة المقاومة والصمود لديه.

فلم يكن ذلك الحدث يمس شخصاً بذاته بقدر ما كان المقصود منه إذلال وإهانة شعب البحرين كله، ولكنها ترتكب خطأ فظيعاً، فإذا كان العرض التلفزيوني المذل يرضي غرورها ويكشف مدى قبحها وعنجهيتها وغطرستها، إلا أنها في نفس الوقت أكدت على القطيعة القائمة أصلاً بينها وبين شعب البحرين.
فلا زالت الطلائع الرسالية المجاهدة ماضية على الدرب الشائك الطويل، ولن يهدأ لها بال حتى يأذن الله بنصره المؤزر ويرفع هذا الكابوس الذي طال بقاؤه جائماً على صدر شعبنا.
إن الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين عندما رفعت راية الجهاد والمقاومة والتحرير كانت تعرف بأن الطريق شائك ووعر مليء بالآلام والمصاعب، حيث يقول جل من قائل : "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين" فلذلك كان صبر وصمود الرواد من الطلائع الرسالية على الرغم من مرارة السجن وقسوته، إلا انهم لم يمنحوا الحكم الفاسد تذوق طعم الانتصار والتشفي، لقد كانوا شوكة في حلقه وهم مكبلين بأصفاد الأسر وهذه هي طبيعة الأباة الأحرار.
يا اخوة الجهاد والثورة..
إن المسيرة لا تتوقف عند حد اعتقال رمز معارض ثم الإفراج عنه بعفو مشفوع بجملة من التعهدات المقيدة لنشاطه، بل إن ذلك يدعونا لوقفة تأمل ومراجعة ودراسة لأحداث الفترة الماضية، وتداعياتها بتجرد وموضوعية للخروج بتقييم موضوعي واضح، ووضع تصور سليم يستند إلى إرادة حرة وواعية، تضع مصلحة الشعب والوطن فوق أي اعتبار آخر.
إن المسؤولية هنا يتحملها كل مواطن حر شريف وغيور على دينه وشعبه ووطنه، لقد رأينا بأم أعيننا المصير الذي تجرنا إليه هذه السلطة الغاشمة، فهي لم تتورع عن اقتراف الجرائم بحق الشعب المجاهد، وقتل النفس المحترمة، وانتهاك الحرمات والتعدي على الحقوق، وإشاعة التمييز والقهر والتفريط بالوطن والشعب وبمستقبله، كل ذلك من اجل الحفاظ على استمرارها في هيمنتها وتسلطها بأي ثمن كان.
إن المشهد الذي رأيناه جميعاً يوم الخميس الماضي هو التعبير الحقيقي عن وجه هذه العائلة القبيح وهذه هي المشاعر الحقيقية التي تكنها لشعب البحرين، ولكن الأدهى من ذلك هو هذا الإصرار العقيم على نهج أوصلنا إلى هذه النتيجة المؤلمة والمقززة، من تقبيل (الخشوم) والجباه لقاتلي شعبنا.
عليكم أن تعوا بأن مطلب الدستور يعني تثبيت شرعية هذا النهج الحاقد على شعب البحرين، وإطلاق يدهم من دون رادع، إن المطالبة بتطبيق دستور (1973) هو خطأ استراتيجي قاتل، يلبي طموح العائلة القاتلة، وهو بمثابة احتياطي لنهجها السياسي المعادي لشعبنا.
إن القضايا المرتبطة بمصير الشعب والوطن لا تحتمل التأويل القائم على العواطف ولا يمكن التعويل على الأماني، وخطورة الوضع تستدعي أن نقف وقفة جدية واتخاذ قرار شجاع مبني على الحقائق والوقائع بعيداً عن تصورات تتداخل فيها العواطف والأوهام والإشاعات التي سادت إلى فترة غير قصيرة مما جعلها تقليد سياسي اجتماعي استفادت منه السلطة الغاشمة لتمرير مخططاتها وضرب الحركة الشعبية.
أيها الاخوة المجاهدون..
إن سماحة الشيخ الجمري ليس في وضع يمكنه من قول كلمته في الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها، والسلطة الحاقدة تحاول أن تستغل الإفراج عنه بهذه الصورة المهينة لتنفيذ مخططها في الإجهاز على جذوة المقاومة في شعب البحرين.
لذا ينبغي علينا عدم الركون إلى التصورات التي لا تستند إلى الواقع ونبني عليها آمال تقودنا إلى الضياع، إن الأوضاع الحالية تتطلب منا اليقظة والحذر والتحرك السريع لتطويق مخطط السلطة الغادر، ومواجهته في بدايته قبل أن تبدأ السلطة بتنفيذه، فإذا كانت في المرة السابقة قد تمكنت من إيقاف زخم الانتفاضة ووقف التظاهرات الجماهيرية عبر ما سمي حينها بأنه (مبادرة) ورأينا كيف أنها لم تكن اكثر من مؤامرة، استطاعت من خلالها تنفيذ مخططها الإجرامي، فإننا نحذر شعبنا من مغبة الإنجرار في هذا المخطط المشبوه، وإذا كنا نقدر كل العواطف النبيلة التي يكنها الشعب المجاهد لسماحة الشيخ الجمري، إلا أن علينا معرفة الحقيقة المرة والمأساة التي يمكن أن تحل بنا جراء الاندفاع في تغليب العواطف على العقل والتفكير السليم.
إننا نعي أن وقع الصدمة كبير، وتداعياتها يمكن أن تؤدي إلى مواقف لا عقلانية، ولكن الموقف يستدعينا أن نخرج من حالة اللا توازن التي تسعى السلطة إلى إيقاعنا فيها.
إننا نعتقد بإخلاص الدعوات التي صدرت من قبل القوى في محاولة منها لاستجلاء الموقف، ومحاولة دفع سماحة الشيخ الجمري لأن يعلن عن موقف ربما يغير واقع الحال، ولكن على الجميع أن يعلم بأن القضية اكبر من ذلك بكثير، وهي تتجاوز شخص سماحة الشيخ، فعلينا أن لا نعطي السلطة الغادرة الفرصة لتنفيذ مخططها وإدخال الجماهير في دوامة الانتظار والتعويل على صدور موقف أو تأجيل المطالب لفترة لاحقه، مما سوف يمكن الحكم من إحكام قبضته وتنفيذ مخططه الذي بدأه.
يا جماهير شعبنا..
عليكم أن تعوا بأن قطار الثورة لا يتوقف عند أشخاص ولا ينتظر أحداً.. إن الحقيقة المؤلمة أن الشيخ الجمري قد توقف ـ مع الأسف ـ عن متابعة المسيرة التي بدأها، ولم نكن نتمنى هذه النهاية المؤلمة لرفيق درب.
إن خطورة الموقف توجب علينا أن ننصح البعض من الذين يسوقون التبريرات والتأويلات بالتوقف عن هذا الإسلوب المستهجن، الذي أهدر الفرص وفرط في التضحيات الجسيمة التي قدمها شعب البحرين الأبي، وساهم بدرجة كبيرة في تشويش التفكير السليم وتغييب الوعي إلى درجة أن أصبحت البلادة والبساطة السياسية هي الطابع الغالب على نوعية التفكير السائد، مما أفاد السلطة الغاشمة في تمرير مخططاتها وألاعيبها الظاهر منها والمستتر في مجتمعنا البحراني.
إننا نؤكد من جديد على خطورة الوضع ودقته، وندعو شعبنا وقواه المخلصة لفتح حوارات واسعة وتجاوز حالات الخلاف والحساسيات وإثارة الاتهامات هنا وهناك، ووضع القضية في حجمها الطبيعي، فما شاهدناه خلال الحادثة المشؤومة وما تلاها هو التعبير عما يمكن أن تؤدي إليه التخرصات والتأويلات والتحليلات التي لا تستند إلى الواقع والحيثيات.
لتتظافر جميع الجهود من أجل تشكيل جبهة شعبية متراصة تدعم الوحدة الشعبية وتمكنها من اتخاذ موقف موحد يفوّت الفرصة على السلطة الغاشمة، والبدء في مرحلة جدية تتجاوز كل أخطاء الماضي وتجاوزاته، التي حكمتها الانفعالات وتغليب الإشاعات على الحقائق وإلغاء العقل والمنطق الجاد، إننا مدعوون جميعاً لطرح مشروع البديل الوطني القادر على مواجهة واقع الفساد والاستبداد والقهر الذي تفرضه السلطة الغاشمة على بلادنا، واستبداله بواقع الحرية والعدالة الاجتماعية.
لقد آن الأوان لأن تبدأ القوى الجادة والمخلصة لتحمل دورها الريادي وتأخذ بيد شعبنا نحو الخلاص، فالوقت لا يحتمل التأويل أو التأجيل، والتقاعس عن تحمل الدور المسؤول يعني مشاركة السلطة الظالمة في تنفيذ مخططها الإجرامي بحق شعبنا.
ينبغي علينا أن لا نسمح لقوى التسطيح والتهميش التي لعبت دوراً كبيراً في إيصالنا إلى هذه الحالة المزرية بأن تستمر في ممارسة دورها اللامسؤول.
اللهم أشهد بأننا قد بلغنا.. اللهم اشهد بأننا قد بلغنا..
والله ولي التوفيق.. وما النصر إلى من عند الله..
الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين

12/7/1999م

عودة