بسم الله الرحمن الرحيم

مقابلة مع الامين العام سماحة الشيخ محمد علي المحفوظ
في مجلة (البلاد) نشرتها بتاريخ 31/12/1994م تحت عنوان:
الامين العام للجبهة الاسلامية لتحرير البحرين الشيخ محمد علي المحفوظ لـ (البلاد):
مسؤولون اجانب يديرون عمليات القمع


الامين العام لـ "الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين" الشيخ محمد علي المحفوظ واحد من مئات الشخصيات البحرانية المحظور عليها دخول البلاد نتيجة مواقفهم من الحكم والحكومة في البحرين.

والشيخ المحفوظ صاحب رؤية واضحة وتصميم اكيد على ضرورة توصل الشعب البحراني الى تحقيق آماله من خلال "انتفاضة سوف تستمر حتى تنفيذ المطالب العادلة".

واذا كان الشيخ المحفوظ يطالب بريطانيا بتحديد موقفها من مسألة مشاركة بريطانيين في عمليات القمع، فانه ـ ورداً على سؤال حول دور السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ـ يكتفي بالتأكيد على ان "لا مبرر لدول المجلس في تأمين غطاء سياسي اعلامي يخدم اجراءات القمع التي تمارسها العائلة الحاكمة على الشعب".

(البلاد) التقت الشيخ المحفوظ وكان هذا الحوار:

سؤال: هل لنا بتحديد لطبيعة وخلفيات الاحداث التي تشهدها البحرين؟

ـ ليست القضية وليدة صدفة، انما هي مجموعة احداث وتراكمات تعود الى سنوات خلت.

سؤال:  اهي مسألة قضايا سياسية ام مجرد حقوق اجتماعية؟

ـ هناك حركة شعبية تطالب باعادة المجلس الوطني واحترام حقوق الانسان واطلاق الحريات وتطبيق مبدأ الديموقراطية ومعالجة قضية العاطلين عن العمل وعودة المنفيين واطلاق سراح السجناء كل هذه مطالب وهموم داخلية ملحة تعاطت معها الحكومة بشكل غير طبيعي.

ولطالما حذرنا السلطات الحاكمة ولفتنا انتباه الرأي العام العربي والدولي في بيانات وتصريحات مختلفة الى خطورة استمرار السلطات في مسلسل قمع وتحدي ارادة الشعب البحراني وتماديها في ذلك وذلنا في تصريحاتنا ان لصبر هذا الشعب حدودا وان تلك التراكمات من شأنها تفجير الغضب في اية لحظة من اللحظات.

ففي سنة 1956م حصلت انتفاضة داخلية وشكلت هيئة تنفيذية عليا وهيئة الاتحاد الوطني التي ادارت البلاد وكانت محاولة للضغط على السلطة للقيام باصلاحات جذرية وحقيقية، لكن السلطات قمعت التحرك الجماهيري.

وفي العام 1965م ايضا حصلت انتفاضة شعبية مماثلة قمعها الجيش البريطاني مجددا، وفي العام 1970م جرى استفتاء على استقلال البحرين حيث صوت الشعب على ان تكون البحرين بلداً مستقلاً، وجاء العام 1971م حاملا الاستقلال الصوري باعتبار ان مضمونه كان شكليا، وهناك خطأ في طريقة التعاطي مع العيد الوطني والذي حصر بتاريخ 16 ديسمبر من كل عام والذي هو يوم تنصيب الحاكم بعد وفاة والده.

وفي العام 1972م حصلت انتفاضة عمالية طلابية اجهضت فيها الحكومة ايضا محاولة تأسيس نقابات عمالية، وما بين 1973 و1975م تم تشكيل المجلس التأسيسي الذي وضع الدستور وتمت انتخابات المجلس الوطني الذي جاء نصف اعضائه بالتعيين، وحل في اغسطس 1975م مع ان الدستور لا يبيح للامير حل المجلس.

وما بين عامي 1980 و1981م قامت السلطات بحملة قمع واسعة طالت آلآف المواطنين واستشهد العشرات تحت التعذيب، والبعض منهم لا يزالون في السجون حتى الآن.

وفي العام 1992م قدمت عريضة شعبية وقعّت عليها شخصيات دينية وعلمانية ونيابية، طالبت باعادة المجلس الوطني وتفعيل الدستور المعطل.

هناك محطات بارزة ايضا في مسلسل القمع والتي لا يمكن تجاوزها كتدخل الحكومة في المؤسسات الدينية والتي كانت بمثابة مراكز مستقلة كالحسينيات والمساجد، مثلا حسينية القصاب ـ اهم حسينيات العاصمة ـ والتي اغلقتها الحكومة  واعتقلت احد كبار ادارييها وعلى الاثر قدمت الجبهة شكوى الى  الامم المتحدة.

سؤال: تحت اي ذريعة اغلقت السلطات مركزاً دينياً كالحسينية؟

بسبب اقامة فاتحة على روح المرجع السيد السبزواري، فالسلطات اعتبرت ان اقامة الفاتحة قضية خارج اهتمام البلد وليست من ضمن التقاليد بغض النظر عن ارتباط الناس بالمرجع، والحكومة هاجمت المصلين في "مسجد مؤمن" بسبب اقامة الفاتحة على روح المرجع السيد الكلبايكاني وحطمت الابواب واعتقلت بعض الموجودين، وهذه المسائل السلبية ادت الى تأجيج الغضب الشعبي، كما ان الحكومة وبدلا من مواجهة المطالب بالحوار، فقد ارسلت مجموعة من قوات "قمع الشغب" التي ضربت واعتقلت بعض المعتصمين في وزارة العمل بدلا من تفهم مطالبهم وتهدئتهم.

ايضا هناك مئات المنفيين الممنوعين من دخول البلاد لان الحكومة ترى ان لهؤلاء مواقف لا تتفق مع نهجها.

سؤال: ما هو اللون السياسي لاولئك المنفيين قسراً؟

اسلاميون وغير اسلاميين، بعضهم طلبة علوم دينية وقسم منهم يدرس في الجامعة وآخر يمارس العمل السياسي في الخارج (معارضة) لكن الحكومة تحاول دائما ابقاء القضية ضمن اطار فردي، ولذلك اعتقلت الشيخ علي سلمان البلادي، غير ان الانتفاضة بدأت تأخذ منحى المواجهة الشعبية الشاملة بعد ان انتشرت في كل المناطق والقرى وتدخلت مختلف الشرائح الاجتماعية بمشاركة فعلية في الاحتجاج على عدم تحقيق مطالب الناس.

وتجدر الاشارة الى انه وفي بدايات الانتفاضة وبعد اعتقال الشيخ البلادي ذهبت مجموعة من العلماء للقاء رئيس مجلس الوزراء الذي كان يفترض به الرد بمنطق والعمل على تخفيف حدة التوتر، الا انه رد عليهم رداً غير لائق، الامر الذي دفع الى ارتفاع حدة التوتر.

سؤال: اذا كانت المطالب الشعبية هي القاسم المشترك بين الاسلاميين وغير الاسلاميين في المعارضة، فما هو حجم التنسيق بين الجهتين؟

بطبيعة الحال هناك تيارات وتوجهات مختلفة في اي بلد، قد يطغى تيار على آخر من حيث الفاعلية والتأثير الديني، هناك مستقلون وحركات يسارية وحركتان معارضتان اسلاميتان، هما الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين وحركة احرار البحرين الاسلامية، وهناك جبهة التحرير والحركة الشعبية والتنسيق موجود ضمن مختلف تلك الاطراف وبشكل فعلي، وذلك نتيجة التجارب والاحداث السابقة التي اكدت ضرورة التوحد الداخلي وعدم افساح المجال امام الحكومة لاحداث اي شرخ في ما بين اطراف المعارضة.

سؤال: وهل هناك اجماع في الشارع البحراني حول الشعارات التي يرفعها المتظاهرون وما هو حجم هذا الاجماع؟

هناك شبه اجماع، لكن نحن نرى من خلال الصراع الدائر والتنسيق مع مختلف الاطراف بأن الاتجاه يسير في منحى الوصول الى اجماع شامل، وعندما اقول شبه اجماع، هذا لا يعني ان هناك اختلافا ابدا، الشعارات المطروحة متفق عليها من قبل الناس الذين يرون ان لا حل الا بتحقيق المطالب الشعبية الحقيقية، بدءا من اطلاق الحريات وتطبيق الديموقراطية وصولا الى ايجاد دستور يواكب العصر واجراء انتخابات حرة ونزيهة، اضف الى ذلك محاسبة المسؤولين عن القمع والقتل الذي حدث في السابق وحاليا، ايضا اخراج المسؤولين الاجانب الذين يديرون حركة الاجراءات الامنية حتى نستطيع البدء ببناء جديد لوطن مستقل وحياة حرة وكريمة وعادلة.

الحكومة غير مستقلة في قرارها، ونحن اشرنا الى انه ينبغي للحكومة البريطانية توضيح موقفها من البريطانيين الذين يقودون عمليات القمع داخل البحرين خصوصا وان القمع ينفذه جهاز المخابرات برئاسة البريطاني (هندرسون) واشرنا ايضا الى عدم ضرورة دعم الحكومة من قبل دول الخليج في الوقوف امام حركة شعبية مطلبية اتسمت بالهدوء.

سؤال: ما هو سقف تحرك المعارضة؟

الانتفاضة لن تتوقف حتى تنفيذ مختلف المطالب.

سؤال: وفي حال لم تتجاوب السلطة؟

نخشى ان يفلت زمام الامور، ونحن نرى ان احترام الانسان قضية اساسية، وبالتالي فإن حفظ الدماء وحفظ حياة الابرياء قضية مهمة جدا، ونحن لا ندعو الى العنف ونحمّل السلطات كامل المسؤولية عن كل الاجراءات القمعية التي تمارس على المواطنين.

سؤال: الاتهامات التي توجهها السلطة البحرانية بأن هناك دعما خارجيا للمعارضة هل هذا صحيح ام لا؟

ليس هناك ما يبرر مثل هذه الاقاويل التي هي مجرد تهويل، والسلطة تحاول دوما افتعال عدو خارجي لالصاق التهمة به، فضلا عن خلق التشويشات التي يراد ادخالها على الانتفاضة كمسألة الطائفية والمذهبية (سني ـ شيعي) وان كان الشيعة يشكلون الاكثرية (80 في المائه من التعداد السكاني البحراني) وآل خليفة ـ العائلة الحاكمة ـ لا يمثلون إلا انفسهم فقط وليس الشعب.

رجوع |


مقابلة للامين العام سماحة الشيخ محمد علي المحفوظ

مع مجلة (البلاد) نشرتها بتاريخ 20/4/1996م تحت عنوان:

الإعدام الأول في البحرين بعد قمة "شرم الشيخ":
انتفاضة حتى تحقيق المطالب الشعبية

في كل زيارة له الى بيروت، كنت اجلس معه لمعرفة اخبار الانتفاضة والمعارضة في آن واحد، لكن هذه المرة كانت الانتفاضة حاضرة بقوة، خصوصا وان ساعات الصباح الاولى حملت خبر اعدام احد البحرانيين.

الشيخ محمد علي المحفوظ، الامين العام للجبهة الاسلامية في البحرين علق على نبأ الاعدام الاول لواحد من المتهمين بالمشاركة في احداث الانتفاضة قائلا: "بأن العائلة الحاكمة في البحرين ارادت ان تكون اول دولة تطبق مقررات قمة (شرم الشيخ)".

يقول الشيخ: "ان الانتفاضة جربت السلطة، واكتشفت كذبها وذلك عندما اوقفت نشاطاتها على اساس الاتفاق الذي تم في السجن بين الشيخ عبدالامير الجمري وبين المسؤول الامني البريطاني الجنسية (هندرسون)"

ويضيف الشيخ محفوظ" ان جماهير الانتفاضة انتظرت وعود السلطة لكن دون جدوى، فقررت ان تنزل الى الشارع مجددا"

وعما اذا كانت المعارضة قد تبدلت، يقول الشيخ المحفوظ: "نحن في الجبهة الاسلامية ومنذ بداية الانتفاضة تبنينا شعارات الانتفاضة التي شددت على اسقاط العائلة الحاكمة". واشار الشيخ المحفوظ الى ان "بعض فصائل المعارضة البحرانية في الخارج طالبت بتعديل الدستور، الذي يشبه سيارة جميلة فخمة هي تحت تصرفك في اي لحظة لكن مفاتيحها مع الامير وحاشيته" ويضيف الشيخ: "نحن في الجبهة قلنا لاخوتنا في المعارضة اننا لا نستطيع ان نتبنى شعارات لا تكون بمستوى الانتفاضة ولا تنسجم مع مطالب الشهداء والجرحى والمعتقلين في البحرين، هؤلاء الذين قدموا انفسهم من اجل البحرين وليس من اجل الدستور الذي يعطي الشرعية للعائلة الحاكمة ويبرر قمعها للجماهير، وانا اعتقد ان هدف الانتفاضة أبعد من تعديل الدستور لان اي تعديل مهما كان حجمه لن يتعرض لصلاحيات عائلة آل خليفة بل سوف يعزز مكانتها بأسم الانتفاضة" وأعرب الشيخ المحفوظ عن اعتقاده بأن "الاحداث الاخيرة قربت وجهات النظر بين فصائل المعارضة، وبات الجميع مقتنعا بضرورة المواجهة الشاملة حتى تحقيق الحرية الكاملة للشعب البحراني بضمانة القانون وعلى اساس ان الجميع بمن فيهم العائلة الحاكمة تحت القانون".

 ولكن هل يمكن ان تؤدي المواجهة الشاملة الى تدخل سعودي مباشر في البحرين؟ يجب الشيخ المحفوظ: "ان عددا كبيرا من الدول الاقليمية والدولية لا تهتم لامر الدولة البحرانية على اساس ان السعودية هي التي تتولى رعاية هذه الجزيرة الصغيرة، ولا اكشف سرا اذا قلت ان القوات السعودية موجودة في البحرين وانها تستطيع ان تصل الى اراضي البحرين خلال دقائق، وبالتأكيد فإن السعودية متخوفة من الانتفاضة وتراقب الوضع بدقة وهي لن تتأخر في نجدة آل خليفة اذا وقعت الواقعة كما انها تفضل في الوقت الحاضر الاكتفاء بتقديم الدعم المعنوي والمادي للحكومة البحرانية ولا تريد التورط علنا بالاحداث لانها تعرف مسبقا اننا نستطيع التحرك بسهولة في المنطقة الشرقية في السعودية، والتي لن تظل مكتوفة الايدي اذا قررت السعودية الدخول واحتلال البحرين".

وبعيدا عما يمكن ان تؤول اليه الاحداث في البحرين في ظل تصاعد حملات الحكومة القمعية فان بعض الدول الخليجية والاقليمية اعلنت قلقها مما يجري في الجزيرة، وتأييدها لعائلة آل خليفة في اشارة الى انها تحمل الامور على محمل الجد، وعبرت العاصمة الاردنية عن الموقف الدولي من احداث البحرين عقب قمة "شرم الشيخ" عندما اعلنت عن استعدادها لارسال قوات لمساعدة الحكومة البحرانية اذا طلبت ذلك.

الانتفاضة البحرانية وصلت الى نقطة لا يمكن التراجع بعدها الى الوراء، ويبدوا ان آل خليفة لا يريدون ان يسمعوا مطالب الانتفاضة وقرروا اقفال ابواب الحوار بانتظار نتائج حملتهم الدموية المدعومة ماديا ومعنويا من "قمة صانعي السلام" في شرم الشيخ فهل تستطيع الحكومة البحرانية كسر ادارة الشعب؟

رجوع |