علي ربيعة : الرأي الآخر

في صفحة (مسافات) وتحت عنوان (فرصة تاريخية تفترض النضج السياسي) أصدر الكاتب حكمه على جماعات الرأي الآخر بأنها لم تستفد من الفرص السياسية التي أتيحت لها وذلك في معظم حلقات التاريخ السياسي منذ الخمسينات وحتى الآن. وأرجع سبب عدم الاستفادة إلى أن أصحاب الرأي الآخر غالبا ما كانوا يفسرون حالات المرونة السياسية على أنها ضعف من الدولة، الأمر الذي حدا بأصحاب الرأي الآخر - حسب قوله - إلى أن يتمادوا في إرتكاب الأخطاء ويتصرفوا بتطرف أكثر في عملهم السياسي، وضرب لنا مثلا على ذلك بتجربة المجلس الوطني وكيف أن بعض الأعضاء حولوا ساحة المجلس - حسب قوله - إلى حلبة صراع ومشاكسات ضد الحكومة مما أدى إلى تعطيل مسيرة القوانين وعرقلة التنمية.
إن هذه الاتهامات التي ساقها كاتب مسافات لأصحاب الرأي الآخر وأعضاء المجلس الوطني لم تجد طريقها إلى عقل المواطن العادي دون أن تثير لديه الريبة حول مغزى هذا الطرح وفي هذا الوقت بالذات، لذا يأتي ردنا في هذا السياق لتأكيد الدور التاريخي الذي لعبه أصحاب الرأي الآخر في نصرة قضايانا الوطنية وطوال عقود من الزمن والذي حاول الكاتب أن يلغيه بجرة قلم، وبودنا أن نسأل الكاتب عن تلك الحركات الوطنية المناهضة للإستعمار في الخمسينات والمتطلعة إلى بناء دولة عصرية حديثة في الستينات وحتى صدور دستور دولة البحرين المستقلة. أليست هذه جميعا نقاطا مضيئة في تاريخ البحرين الحديث ودور أصحاب الرأي الآخر في هذه الأحداث واضح المعالم؟. أما عن تجربة المجلس الوطني فحبذا لو استند الكاتب على محاضر جلسات المجلس وبدأ بنشرها في حلقات متتالية حتى يشرك الباحث والمطلع والقارئ العادي في ما كان يجري من أمور داخل أروقة المجلس الوطني وبعد إذ يفتح صفحة مسافات لسماع رأي المواطنين في هذه التجربة ونحن بعد إذ راضون بحكم الشارع البحريني فضلا عن أن نشر هذه المحاضر سيتيح الفرصة أمام الأجيال الجديدة للإطلاع على سير هذا العمل الديمقراطي الذي لم يعمر أكثر من عامين، وبذلك نكون قد نجحنا في تعريف هذه الأجيال بتلك الحلقة المفقودة من تاريخهم الحديث.. فهذه التجربة الديمقراطية رغم قصر عمرها الذي لم يتجاوز السنتين فإنها كانت غنية بحواراتها ومناقشاتها الجادة التي كانت تعالج كافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الموروثة من العهد الاستعماري ويشهد على المستوى الراقي والمتحضر لهذه التجربة كل من أتيحت له الفرصة لزيارة المجلس الوطني من عرب وأجانب.  ولأني أحد الأعضاء المشاركين في هذه التجربة فإني أكره الاسترسال في الحديث عن مناقبها وبالتالي نترك المجال لمحاضر جلسات المجلس أن تتكلم عن نفسها وهي كفيلة بالدفاع عن نفسها، ومما يثير الدهشة والاستغراب ان يطلق الكاتب صفة التطرف على أصحاب الرأي الآخر ويدعي أن تطرفهم قد تسبب في تعليق الحياة النيابية، ونسى الكاتب أو تناسى أن أصحاب الرأي الآخر مهما كان صوتهم عاليا وصاخبا في ساحة المجلس فإن أصحاب هذا الصوت يظلون يعملون في إطار الدستور وأنهم بحكم قبولهم الدخول في اللعبة البرلمانية على استعداد تام للدفاع عن المشروعية الدستورية ونظام الحكم، وفي هذا الحال فإن صفة التطرف لا تنطبق عليهم مهما علا صوتهم داخل المجلس وخارجه بخلاف أولئك الذين لبسوا لباس التطرف فرفضوا الاعتراف بدستور دولة البحرين منذ تاريخ صدوره، وعبروا عن مغالاتهم في التطرف والخصومة ضد النظام السياسي الشرعي القائم. ونقطة دستورية مهمة جدا يجب ألا تغيب عن بال كل من يحترم الدستور وهي أن الجهة الوحيدة التي تملك حق إصدار الأحكام على أداء النواب وصلاحياتهم هي صناديق الإقتراع وصوت الناخب. وحري بالكاتب وقد سمع وقرأ ما طرحه العهد الجديد سواء في الخطاب الأميري أو في المؤتمر الصحفي من دعوات صادقة للوحدة الوطنية أن يبادر لتسخير قلمه لكل ما من شأنه أن يعزز التلاحم الشعبي ويقضي على الفرقة والشقاق. والحديث ذو شجون وعندما تتسع مساحة حرية الرأي والتعبير ويصبح بمقدور أصحاب الرأي الآخر على اختلاف ميولهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية أن يمتلكوا أدواتهم الإعلامية فعند إذ ستزدهر الساحة الفكرية بتعدد الآراء وتنوع الأفكار مما يساعد على وضوح الرؤية وجلاء الحقيقة.

رجوع