لازال المطلوب من النظام البحريني اكبر بكثير من " مكرمة أميرية"

 

 

صدرت (مكرمة أميرية) في السادس من حزيران (يونيو) 1999م، بإطلاق سراح زهاء

400 من المعتقلين السياسيين وعدد من المبعدين، إضافة إلى عدد من المحكومين بقضايا تتعلق بالحق العام.

أحاطت أجهزة الإعلام هذه (المكرمة) بضجة إعلامية كبيرة، من حيث القابلات مع بعضهم، وصياغة الخبر وكأن هؤلاء الفرج عنهم قد ندموا على ما قاموا به من أعمال وانهم سيعودون إلى (جادة) الصواب، بالإضافة إلى اللقاءات الصحافية لعدد كبير من الشخصيات من مختلف القطاعات الاجتماعية من المحامين والتجار والمهندسين وغيرهم اثنوا على المكرمة، وتمنى البعض أن تكون هذه الخطوة مقدمة لخطوات تترجم التصريحات التي سبق وان أدلى بها سمو الأمير في الأسابيع الأولى من توليه السلطة.

وبدورنا نثني على هذه الخطوة، ونرى بأنها خطوة بالاتجاه الصحيح، فقد عمت الفرحة عائلات هؤلاء الطلقاء. وباسم كل المبعدين في الخارج، نقبل جبين كل من خرج ذلك اليوم من السجن أو المعتقل، ونشيد بصموده في الفترة السابقة، وتؤكد له بأنه كان على حق في المطالبة بإعادة الحياة البرلمانية، وعلى حق في المطالبة بمساواة كل المواطنين وعدم التمييز بينهم، وعلى حق في استخدام حقه الذي كفلته كل الأعراف والقوانين في التظاهر السلمي والمطالبة بالحقوق التي اجمع عليها الشعب. وستكون السنوات أو الأشهر التي أمضاها كل مناضل في المعتقل أو السجن وسام شرف لكل من رفض أن يحني رأسه لغير الله، ووسام شرف لكل من قاوم تعذيب الجلادين والمرتزقة، ووسام شرف لكل من صبر واعتبر نفسه خادما لهذا الشعب الذي يستحق كل التضحية والفداء.

نقبل جبين كل من خرج من السجن، ونشد على يديه، ونؤكد له بأنه قد دخل بصموده في السجل الذهبي لتاريخ شعب البحرين، ونقول له لا تنس الشيخ عبدالامير الجمري، لا تنسى المناضل الجليل عبدالله فخرو الذي نقل في حالة خطرة إلى المستشفى منذ يومين، فالقضية التي قدمت بعضا من عمرك من اجلها، هي ذات القضية التي يناضل من اجلها الجمري وفخرو والعكري والمرباطي والشهابي والذوادي والعلوي والنعيمي، وكل الكوكبة الطويلة من المعتقلين أو المبعدين الصابرين في الخارج.

خطوة بالاتجاه الصحيح، نتمنى_ كما قال البعض_ أن تكون بداية الطريق لتصحيح العلاقة بين الحاكم والشعب.

وقد كنا نتمنى أن تكون (المكرمة) اكبر بكثير مما صدرت، ونحن على ثقة مطلقة بان سمو الأمير كان يريد فرحة كبرى للشعب، إلا أن هناك عقبات لا تزال في الطريق، تعبر عن مراكز القوى وإمكانية القوى المتصارعة، بالإضافة إلى استمرار وجود الأجهزة الأمنية والمرتزقة الذين لا يريدون الخير للبحرين، ولا يريدون أن يروا الاستقرار والأمن والمساواة والديمقراطية في هذا البلد الجميل.

كنا نتمنى بالفعل أن تجد التصريحات التي أدلى بها سمو الأمير طريقها للتحقيق، فيطلق سراح كل المعتقلين، تغلق السجون، ويعود المبعدون مكرمين معززين مرفوعي الرؤوس يقبلون ارض البحرين عندما يخرجون من الطائرات التي تجلبهم من أرجاء المعمورة الأربع، تغلق كل ملفات الشكاوى ضد حكومة البحرين في لجان حقوق الإنسان والمنظمات العالمية والحقوقية وسواها، تعم الفرحة جميع شعب البحرين، يكون يوم تتويج الأمير يوم فرح حقيقي في كل بيت من بيوت البحرين.

هل يحق لنا أن نحلم.

نحن لا نطلب المستحيل. نحن نريد من المسؤولين أن يروا العالم من حولهم ويروا حجم المتغيرات الضخمة على كافة الصعد.

نذكر الدكتور محمد جابر الأنصاري الذي ألقى محاضرة قيمة في معرض دلمون بباريس الذي أقيم في الشهر المنصرم، بأنه في تلك العاصمة يوجد برلمان للأطفال، بالإضافة إلى الجمعية الوطنية الفرنسية، وهذا البرلمان هو التجربة الأولى في العالم لتربية الأطفال بالروح الديمقراطية وكيفية حل مشكلات البلاد بالمشاركة في اجتماعات الجمعية الوطنية وفي اجتماعات خاصة بهم‍‍.

وعندما كان الدكتور الأنصاري يتحدث عن وجود الرأيين في البحرين، منذ القدم فقد كان على حق، ونحن نقول له بان الإنسان ثنائي، وان الصراع مستمر في الإنسان نفسه حول أي خيار يريده قبل أن يقرر الخيار، فما بالك على مستوى البلاد، ويتفق معنا بان العالم اصبح قرية صغيرة تدخل في زقتها من خلال الفضائيات والانترنيت، وانه في باريس وغيرها من المدن الأوربية والآسيوية، يمكنك أن ترى المسيرات والمظاهرات والاصطدامات في الشوارع، ولا يرى أحد من المسؤولين بان الدنيا قد انهارت بمجرد بروز صوت احتجاجي، إلا في البلدان الشمولية التي قال التاريخ كلمته في النماذج  الأساسية منها.  ويتفق معنا كثرة من المواطنين، مسؤولين وغيرهم بان التطور الكبير الذي حصل في البحرين خلال السنوات الثلاثين الأخيرة لا يضاهيه أي تطور حصل خلال القرون الخالية، ولم تكن سوسن الشاعر مخطئة عندما طالبت في الصحافة المحلية بإعادة العمل بالمواد الدستورية المعلقة، أما استياء البعض من انخراط شعب البحرين في الأحاديث السياسية فانه يعبر عن ضيق أفق ولا يعبر عن وعي واستيعاب للتطور الكبير الحاصل وسط شعبنا، وبالتالي فان من واجبنا أن نقول بضرورة التغيير من قبل الأمير، وان يقلب الطاولة على كل من يريد عرقلة خطوات الإصلاح التي بشر بها، وان يمعن النظر في تفاهة قرار منع الدكتورة سبيكة النجار من إلقاء محاضرة في نادي العروبة حول المرأة والمشاركة السياسية، أو إصرار السلطة الأمنية على ضرورة إن يقدم كل مبعد في الخارج رسالة اعتذار‍‍؟ قبل أن يبت في أمره ويكون في قائمة المكرمة أو يبقى مهانا مذلا يتسكع على أبواب سفارة بلده يطالب بجواز سفر أو ورقة تعريف لأطفاله؟

لقد كان هناك إجماع شعبي، رغبة شعبية بالتغيير، وكانت الإشاعات تعم البلاد من أقصاها إلى أقصاها، ولم يكن حديث الناس في الداخل أو الخارج إلا التغييرات الكبيرة التي سيقوم بها الأمير في السادس من حزيران (يونيو)، فبمقدار الحزن الذي عم المواطنين وهم يرون الأمير السابق يغادر الدنيا بالسكتة القلبية، كانوا يحلمون بفارس يمتطي الحصان الأبيض، يوزع الخير والبركة على شعب أراد له البعض أن ينحني مقبلا الأيادي والأرجل أو الأرض التي يسير عليها الطاغية، كانوا يحلمون بامير يكبرون ويكبر بهم، فالحاكم يكبر بشعبه الواعي، والحكم يستقيم بالعلنية والانفتاح على كل الآراء، والبلد الصغير صغير بحكامه أو كبير بهم، صغير إذا كانوا يخافون شعبهم، يرون صورتهم في الإعلام الكاذب، لا في عيون الأطفال والأبرياء، يفضلون إعلاما سيوهم العالم باستقرار البحرين وعدم وجود مشاكل فيها، وكبير إذا آمن بشعبه وأطلق العنان لكل الآراء،  وكان الحوار هو النهج السائد.

لا يجب أن تخاف من قول الحقيقة، لا يجب على الحاكم أن يخاف من سماع الحقيقة، ولا يحب على المعارضة أن تخاف من قول الحقيقة، فبالحقيقة والدفاع عنها والتمسك بها تكبر البلدان، وتكبر الشعوب ويكبر الحاكم.

نحن في نهاية الألفية الثانية، والعالم كله يتقدم نحو الألفية الثالثة، ولك بلد يريد أن يطوي الصفحات الماضية بشكل مشرف وجميل، بتقديم كشف للأخطاء والنواقص التي مرت بها البلاد أو سلكها الحكام في السنوات الغابرة، لقد عبر الرئيس الأمريكي عن اسفه في بلدان أمريكا اللاتينية لدعم واشنطن لأنظمة الحكم الدكتاتورية في القارة الجنوبية في الستينات والسبعينات من هذا القرن، وعبر كثرة من الرؤساء والحكام عن أسفهم على الأخطاء التي ارتكبها من سبقهم بحق شعبهم أو بحق جيرانهم، ولم يقلل هذا الاعتذار من قيمة هؤلاء الحكام، بل زادهم مكانهم خاصة إذا قرنوا القول بالفعل.

ونحن نريد بالفعل أن تدخل بلادنا الألفية الثالثة، وقد طوت كل الصفحات المرتبكة في تاريخها، ولا يجب أن يعتقد أحد بان الشعب على باطل إذا اجمع على شئ، فالحديث الشريف واضح وصريح:( ما اجتمعت أمتي على خطأ)، وبالتالي لم يكن شعبنا على خطا وقع على العريضة التاريخية التي لخصت للحاكم بوضوح ما يريده الشعب: تفعيل الدستور، إعادة الحياة البرلمانية، إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين، السماح لجميع المبعدين بالعودة دون شروط، إعطاء المرأة حقوقها السياسية.

إننا نسأل كل إخواننا المسؤولين الذين يريدون الخير للبحرين، ( وليس أولئك الذين يريدون كل الخير لهم دون غيرهم) هل سترتفع مكانة الأمير والأسرة الحاكمة والحكم في البحرين بتحقيق هذه المطالب أو ستضعف وتبهت وتكون مقدمة لتغيير النظام؟

أننا نقول بأننا قيام الأمير بتحقيق هذه المطالب أو بعض منها سترفعه عاليا أمام شعبه، والدليل على ذلك ما جرى ويجري في الأردن، فقد أطلق الملك عبدالله سراح المعتقلين السياسيين اثر توليه العرش في الأشهر القليلة الماضية، ولا شك أن هناك حكمة ربانية أن يغادر أميرنا المرحوم الدنيا بعد شهر واحد من وفاة الملك حسين، وان يتولى الشيخ حمد مقاليد السلطة في البحرين بعد شهر من تولي الملك عبدالله مقاليد السلطة في الأردن، والناس تقارن هنا وهناك، ترى حضورا كبيرا للملك على مختلف المستويات، وتغييرا وزاريا شاملا وسياسة جديدة، ويقال بان الملك عبدالله، وفي خضم الجدل الكبير الذي ساد الأردن حول قانون تقييد الحريات الصحافية الذي صدر كمسودة في السنة الأخيرة من حياة الملك حسين، قد دخل على الصحافيين الأردنيين وهم يناقشون كيف سيقدموا مطالبهم حول إلغاء هذا القانون التعسفي، فقال لهم وهو على الباب، لقد قررنا إلغاء هذا القانون، وإطلاق حرية الصحافة؟

مطلوب من الحاكم أن يبادر، يستبق الحدث، يتقدم الصفوف، وهذا ما توسمه الشعب في الأمير الجديد عندما استلم مقاليد السلطة.

إن "المكرمة" التي تقدم بها الأمير، قد خصت معتقلين انهوا سنوات اعتقالهم بموجب قانون أمن الدولة الجائر، أو أناسا انهوا سنوات اعتقالهم، أو أناسا برأتهم المحكمة ورفضت الداخلية إطلاق سراحهم، إن أناسا دخلوا المعتقل سهوا؟

أو أناسا أتعبتهم سنوات الإبعاد، فانحنوا وتقدموا بطلب مذل، لا يرفع مكانة حاكم، طالبين السماح  لهم بالعودة إلى بلدهم وهو حق واضح وصريح في دستور دولة البحرين، ولم تشمل "المكرمة" العشرات ممن انهم أنهوا الفترة القصوى التي حددها قانون أمن الدولة من أمثال الشيخ الجمري والأستاذ عبد الوهاب حسين وغيرهم، ولم يشمل أبرياء من طراز المناضل الجليل الذي لا يخاف في الحق لومة لائم، عبدالله فخرو، ولم يشمل العفو العشرات من الأسر والمواطنين الأبرياء الذين لا يعرفون لماذا تصر الحكومة على إبعادهم، ولماذا ترفض السماح لهم بالعودة ليعيشوا على ارض وطنهم بالرغم من التثبيت الوزاري الذي تمنينا عكسه، وبالرغم من هذه " المكرمة" فأننا نحلم بالعودة، نحلم بتقبيل ارض البحرين، نحلم بان نقدم ما نملك من خبرة ومعرفة لخدمة شعبنا، نحلم بان تغلق السجون والمعتقلات السياسية، نحلم أن نرى انتخابات بلدية وانتخابات مجلس وطني، تشارك فيها المرأة، نحلم ببلد يكون الدستور فوق الجميع، ويكون الجميع على قدم المساواة، كما بشرنا سمو الأمير في لقاءاته الأولى.

 

عبدالرحمن النعيمي – مبعد بحراني

رجوع